14 يناير.. مسار ثورة تونسية غير مكتملة

ماهر جعيدان/ الأناضول

تونس -
شهدت تونس في 14 يناير/كانون الثاني 2011 نزول عشرات الآلاف إلى شارع الحبيب بورقيبة، والتظاهر أمام مقر الداخلية في قلب العاصمة تونس، وهم يهتفون للرئيس: "ارحل".

الرئيس زين العابدين بن علي، الممسك بزمام السلطة في البلاد منذ 1987، غادر هاربا في ذلك المساء إلى غير رجعة.

  
-المحلل السياسي شهاب دغيم اعتبر "أن من النقاط المضيئة في مسار الثورة التونسية إطلاق الحريات..وتنوع المشهد السياسي".
-المحلل السياسي محمد بريك اعتبر أن الحرية التي اكتسبها التونسيون لا يمكن أن يفرط فيها، ولكن الإخفاقات كانت على الصعيد الاقتصادي.
-الناشط السياسي مجدي بن غزالة قال إن "انحراف المسار الثوري كان من جانب أطراف كانت مستفيدة من الاستبداد والفساد". وتوالت الأحداث إلى أن أجريت في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي" (البرلمان الموقت) المكلف بكتابة دستور جديد لتونس، وفازت حركة "النهضة" الإسلامية بتلك الانتخابات، وانتخب المجلس الوطني التأسيسي المنصف المرزوقي "رئيسا موقتا" للبلاد.
وفي نهاية عام 2014، أجريت انتخابات رئاسية فاز فيها الباجي قائد السبسي وتقلد الرئاسة إلى حين وفاته في عام 2019، لتنتقل الرئاسة إلى قيس سعيد إثر انتخابات سابقة لأوانها نُظمت في العام ذاته.
وفي صيف 2021، أعلن الرئيس سعيد، عقب اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية، إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه وتجميد عمل واختصاصات البرلمان، ليتولى هو السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعينه بنفسه.
حركة "النهضة" (صاحبة الأغلبية البرلمانية بـ 53 نائبا من أصل 217) رفضت في تصريحات إعلامية على لسان رئيسها، رئيس البرلمان راشد الغنوشي، قرارات سعيد، وعدتها "انقلابا على الثورة والدستور".
11 سنة مرّت على "ثورة يناير" 2011، تخللتها إنجازات غير مسبوقة في تاريخ تونس، كما أصابتها إخفاقات وانتكاسات وتباينت حولها التحاليل والآراء بين الفاعلين السياسيين والخبراء.

** نقاط مضيئة

المحلل السياسي شهاب دغيم اعتبر أن "من النقاط المضيئة في مسار الثورة التونسية إطلاق الحريات، ولا سيما حرية الإعلام، وتنوع المشهد السياسي".
وقال دغيم إن "التوافقات بين مكونات المجتمع التونسي جنبت البلاد ما حدث في بلدان أخرى من أزمات سياسية أدت إلى العنف الدموي، مثل ليبيا واليمن ومصر وسوريا، كما نأى الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بالبلاد عن التناحر الذي كاد يعصف بها".
واعتبر دغيم أن من إخفاقات مسار 14 يناير "عدم استكمال الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية وصدور قوانين منظمة للإعلام بعيدا من المراسيم... كلها عوامل كانت سببا في ارتداد الثورة إلى الوراء وجعل التجاذبات السياسية تطغى على المسار".
 
وتابع أن "مسار العدالة الانتقالية والمصالحة الاقتصادية متلازمان، وكان من المنتظر إرجاع الحق إلى أهله وتحقيق المصالحة الشاملة، ولكن مسار العدالة الانتقالية لم يحقق أبعاده بسبب اختيار شخصية إشكالية على مستوى هيئة الحقيقة والكرامة، كما لم تسترجع الدولة حقوقها".

** تونس لا تدار إلا بالتوافق

وقال دغيم: "تونس لا يمكن أن تتجه نحو رؤية أحادية، ولا يمكن أن تدار إلا بالتوافق بين كل مكونات المجتمع. ولعل حيازتها جائزة نوبل للسلام للرباعي الراعي للحوار يُعد اعترافا دوليا بنجاح التجربة التونسية، غير أن انتكاسة المسار الاقتصادي والسياسي بعد جائحة كورونا أعادتنا إلى المربع الأول".

** الحرية أهم المكاسب.. وإخفاق اقتصادي

رأى دغيم أن "المكسب الأهم (لمسار يناير) هو حرية التعبير، غير أن الديمقراطية لا يمكن أن تتواصل إلا عبر مسار متكامل، إذ يشعر التونسيون أن هذا المسار قد تعطل اليوم لأن السلطات تجمعت في يد واحدة، في سابقة تاريخية".
المحلل السياسي محمد بريك اعتبر أن "الحرية التي اكتسبها التونسيون لا يمكن أن يفرَّط بها"، مشيرا إلى أن "الإخفاقات كانت على المستوى الاقتصادي بارتفاع نسبة البطالة وتراجع المؤشرات في جميع المجالات، كما أن عدم الاستقرار السياسي صار يهدد السلم الاجتماعي".
ورأى أنه "من الممكن وضع دستور جديد في البلاد، على أن يخوض التونسيون معركة شرسة من أجل دستور يتجاوز إخفاقات دستور 2014، والنجاح يبقى رهين الاستقرار السياسي".
وقال إن "الهيئات الدستورية مكسب وطني، مثل هيئة مكافحة الفساد، ولكن غير موفقة في الأدوار الموكلة إليها. وهناك هيئات دستورية لم تُطلق بعد، مثل هيئة التنمية المستدامة، وهذا يؤثر على الخطوط والأهداف المرسومة في مسار 14 يناير، ولا بد من تعزيزها في اتجاه القيام بأدوارها، بعيدا من التدخل السياسي من اليمين الحاكم أو المعارضة".

** انحراف المسار الثوري

وعلى خلاف هذا الرأي، قال الناشط السياسي مجدي بن غزالة إن "المسار الثوري وقع فيه الانحراف من جانب أطراف كانت مستفيدة من الاستبداد والفساد، من خلالها تحالفها تحت عنوان التوافق".
واعتبر بن غزالة أن "14 يناير يمثّل إحدى أهم ارتدادات ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وما سبقها من حراك اجتماعي على غرار أحداث الحوض المنجمي".
وأردف: "إذا قيّمنا نجاح هذه الثورة من عدمه، من خلال مقياس مطلبها الأساسي المتمثل في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، فمن الأكيد أن الحصيلة لا يمكن وصفها إلا بالسلبية، إن لم نصفها بالفشل".
تحيي قوى وأحزاب تونسية الذكرى الحادية عشرة ليوم الثورة في 14 يناير، في ظل إجراءات استثنائية اتخذها الرئيس قيس سعيد أبرزها تجميد اختصاصات البرلمان، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين.