احك لاولادك..كتاب احمدمرسي ياخذك لعالم الطفل لتصير راو للحكاية

د. هدى النعيمي


"كان يا ما كان ، و لا يحلى الكلام الا بذكر النبي عليه الصلاة و السلام" يردد الحاضرون و المستمعون " اللهم صلى و سلم على رسول الله ، هذه بداية للحكاية ، او "الحدوتة" عندما تروى تحكى للطفل ، او للمستمع الكبير على لسان الراوي ، او الحكواتي كما عُرف في الكثير من الجلسات و المقاهي الشعبية ، في عدد من البلاد العربية ، و منها منطقة الخليج العربي و بلاد الشام وفي مصر أيضا .

 
 و حديثنا اليوم عن اهمية الحكاية المروية للطفل على لسان الاب او الام ، او احد الكبار من الاقارب ، وهذا يلخصه كتاب صدر مؤخرا للدكتور احمد على موسي ، وهو كتاب صغير الحجم ، خفيف في وزن أوراقه لكنه كبير في جمع شبكة من الافكار ، و التحليلات و ايضا الحكايات ، وعميق في ما يحتويه من ضوء مسلط على اهمية الحكاية التي تروى على لسان الكبير للطفل الذي يملأ الشعف قلبه وعقله ليعرف اكثر و يدرك اكثر .
عنون ناجح و شيق وبسيط "كان ياما كان .. احك لاولادك " و الكتاب دعوة من باحث متبحر في المأثورات الشعبية ، استاذ الادب  الشعبي و الفلوكلور بجامعة القاهرة ، وصاحب مسيرة حافلة بالاهتمام المأثورات ، جمعها ، و حفظها و تشجيع الاخرين للاهتمام بها كجزء من الهوية و تاريخ يجب ان يُصان ، و قد كان لثقافة الطفل شغف خاص لدى الكاتب خلال مسيرتة الحافلة بالانتاج العلمي و الادبي و ايضا بالعمل السياسي و الدبلوماسي . لم ينشغل ذلك الباحث عن تلك القضية ، وكرس الوقت و الجهد مؤخرا لاخرج هذا الكتاب العميق الذي كان لي حظ الاطلاع عليه ، و من ثم الاستمتاع بقراءة صور ، وحكايات يدعونا الكاتب لروايتها للطفل ، ليس بالقراءه فقط " فالحقيقة انه لا يمكن الاستغناء عن الأداء او الحكي ، و الاكتفاء بالقراءه على اساس انها تؤدي الغرض نفسة ، ذلك ان هناك فرقا كبيرا بين الحالتين ، الأداء اسلوب مباشر أكثر ثاتيرا من القراءة ،حيث لا يوجد حاجز – كتاب او ورقة – يقصل بين المؤدي و بين الطفل ، و هنا الأطفال يتابعون وجه المؤدي ، و ما يعتريه من انفعالات ، و حركات يديه و اهتزاز جسمة عند أدائه الحدوتة ، و يشاركون توقع الاحداث و تصرقات الابطال " ص 153 .
وبين ضفتي الكتاب ، يذكرنا الكاتب بصوره شديدة الخصوصية انه عند رواية الحكاية للطفل ، عندما تكون الحكاية مكررة ، و قد سمعها الطفل من الاب او الام عدة مرات الا نتوقف لأنه ما يزال يحب ان يسمعها مرة أخرى ، فتحكي الام – مثلا – مجبرة لانشغالها بامور أخرى ، ثم تقفز عن بعض الاحداث ، او بعض النقاشات الكلامية بين الابطال ، فيذكرها الطفل بتفاصيل القصة و الحوار ، فهو متابع  واع ، لا تنقصة الحنكة او الذكاء ، وذاكرته تتسع لتفاصيل الحكايات المروية ، و لن يقبل بالاختصار او دمج الاحداث من اجل اختصار وقت الحكي ، هذا مشهد شهدته ، و غيرى عندما نحكي لاولادنا حكاية للمرة الثانيه او اكثر .
يكرر الكاتب في كتابة الصغير/ الكبير " ان الحدوته تصور صراعا بين الخير والشر ، بين الاخلاق الحميدة و الصفات الشريرة الذميمه وفقا للثقافة الجماعة التي تشيع الحدوتة بينها ، و هي تحاول دوما استحداث التوازن بين ما هو كائن وما ينبغي ان يكون ، دون ان يكون لها ارتباط وثيق بالبيئه الخاصة بالحاكي او المستمعين" ص 118" .
ويستند الباحث في بحثة هذا على ما يرد من تحليل لحكايات من التراث الشعبي ، التي يمكن لنا - ككبار – ان نبدا في روايتها لاطفالنا بطريقة الحكي التي فيها إضافة الى التشويق ، الكثير من الاقتراب من أولادنا ، و خاصة في السن ما بين الخامسة و العاشرة ، و هذا السن ذروه شغف الطفل بالحكاية – كما يذكر الباحث ، وفي متن هذا الكتاب عدد كبير من الحكايات التي سمعنا بعضها صغارا ، و بعضها وصل لاطفالنا عن طريق القنوات التلفزيونية ، و ليس على لسان الاب او الام ، و ضمن الحكايات التي يرويها الكتاب ، حكاية النعجة و صغارها ، حيث تقفل الباب على النعاج الصغيرة ، و تحذرهن من فتح الباب للذئب الشرير الذي يطمع في أكلهن جميعا ، لكن الذئب المخادع يستطيع ان يقلد صوت الام ، فتنخدع الصغيرات ، و يقعن في شباك الحيلة ، و يصبحن وجبة الذئب الشهية لذلك اليوم ، و كما يؤكد الكاتب الذي يأتي بالحكايات من التراث الشعبي في مصر ، يؤكد "ان هذه الحدوته نفسها تروى بأشكال مختلفة في انحاء شتى من العالم " ص 100 ، واؤكد بدوري على هذه المعلومة ، فحكاية النعجة ، و صغيراتها ، قد حكتها أمي رحمها الله ، لي و لاخوتي ، و كنا نصر على ان نسمع منها أغنية النعجة و هي تغني لصغيراتها ، الاغنيه السر ، او " الباسكود "بلغة اليوم لفتح الباب :
زين زينة رباب
فتحوا لامكم الباب .
وقد فتح لي هذا الكتاب الذي ارشحه للقراءه ، صورا من ماض بعيد يعيش في المخيلة الى الابد ، كما فتح الباب ، وشجعني لاعود ، اجمع الأطفال حولي .. و احكي لهم حكاية .