الجولان المنسي: محاولات تغيير هويته ليست إسرائيلية فقط

منهل باريش



تحت عنوان «ما لا تعرفه عن الجولان: سكّانه الأصليون ليسوا عرباً، وإحدى قراه تحمل اسم سلطان عثماني» نشر موقع «عربي بوست» تقريرا حول الجولان السوري المحتل، وجاء فيه أن «غالبية سكان قرى الجولان هم من الشركس والتركمان والعرب البدو، يعيشون جنباً إلى جنب، ويعملون بالزراعة وتربية المواشي». ويلفت التقرير إلى أن الشركس قد بنوا أول منازل قرية بئر عجم عام 1872 وسكنها 150 شخصا من قبيلة الأبخاز القوقازية، والتحق بهم عدد من قبيلة القبرطاي الشركسية.

 

ويعدد التقرير بعض القرى التي قطنها الشركس والتركمان دون أي ذكر لمن تعود ملكيات الأراضي أو من يقطنها وكأن منطقة الجولان كانت صحراء لا طير فيها ولا بشر. ودون أي إشارة إلى أن من استقبل المهجرين الشركس هم اقطاع المنطقة من عشيرة النعيم العربية حيث نزلوا ضيوفاً على أمراء آل طحان في أرض بير عجم التي تعود ملكيتها إليهم، حيث جرى استقبال المهجرين الشركس على دفعات في الربع الأخير من القرن التاسع عشر إثر مذبحة شركاسيا في 21 أيار/مايو 1864 وهزيمة الشركس بعد مئة عام من القتال ضد الإمبراطورية الروسية حيث هجرت الأخيرة مئات آلاف الشركس في أراضيها شرقا وفي اتجاه أراضي السلطنة العثمانية جنوبا ومنها انتقلوا وانتشروا في دمشق وعمان وحمص.
ويورد الموقع الإلكتروني أن السلطان عبد الحميد اقتطع أرضاً للشركس المهجرين سميت باسمه، وسميت أماكن ومدارس وأسواق عدة على اسم السلطان فترة حكمه.
قطعية «عربي بوست» في نفي صفة العروبة عن السكان الأصليين تثير الكثير من الريبة والشكوك وتأتي في سياقات تمييع القضية الأساسية وهي كون الجولان أرضاً سورية محتلة من إسرائيل، واعتبار أن سكانه الأصليين هم فقط من الشركس والتركمان دون إشارة إلى أن غالبية القرى والبلدات، عربية هو تزوير للحقائق التاريخية المتعقلة بالجولان، اذ يبلغ مجموع قرى وبلدات الجولان 139 عدا المزارع الصغيرة فيما يبلغ مجموع القرى التركمانية 12 قرية في الجولان المحتل ويتجاوز تعداد القرى العربية أكثر من 110 قرية وبلدة.
ويُذّكر مصطلح «السكان الأصليين» الذي ظهر في فترة الاستعمار الأوروبي أن تغييرا ما حصل على المستوى البشري انتزعته إسرائيل من الشركس والتركمان وهو ما يعني أحقية شركسية تركمانية تاريخية وسياسية بالجولان السوري المحتل وليس اعتبار الجولان جزءا من الدولة السورية، وتحاول خلخلة تبعية الجولان وتريد أن تقول انه ليس سوريا وإن سكانه الأصليين ليسوا سوريين، وإنما تركمان وشركس ومرجعيتهم ليست سورية أبدا.
وينسف وصف «السكان الأصليين» وجود مملكة الغساسنة العرب في المنطقة ويقزم دورهم وحجمهم التاريخي ليقول «سكنت القرية قبائل عربية عريقة من قبيلة بني غسان في فترة الحكم البيزنطي، وأطلقوا على البلدة اسم الغسانية تيمناً باسم القبيلة». وهو ما يجعلنا نحيل محرر التقرير إلى قصائد النابغة الذبياني في مديح الغساسنة في العصر الجاهلي ومديح حسان بن ثابت لهم قبل إسلامه أيضاً.
من ناحية أخرى، يغالط المحرر في «عربي بوست» نفسه عندما يحدد تاريخ الهجرات الشركسية وبداية الاستقرار في الجولان السوري بين 1870-1874. ويسم بعض المناطق بأنها «منطقة بدو رُحل اعتمدوا في حياتهم على تربية الماشية حتى العام 1870 ثم سكنتها قبيلتا الأبزاخ والبجدوغ الشركسيتان». وكأن البدو الرحل مجرد عابري سبيل لا علاقة لهم بتلك الأرض تاريخيا، أو كأن أرض الجولان خالية تماما من السكان مرّ بها بدو رحل مرور الكرام.
بعد احتلال إسرائيل الجولان في حرب 1967 طردت قرابة 150 ألف مواطن سوري، وجرفت عشرات القرى في جنوب الجولان وغربه ومسحتها من الوجود. وتهجر كل أبنائه فيما رفض الدروز السوريون الهجرة وفضلوا البقاء في أراضيهم إضافة إلى قرية الغجر (غالبية سكانها من العلويين) في مثلث الحدود الفلسطينية اللبنانية السورية والتي تقع شمال القرى الدرزية مجدل شمس وعين قنية وبقعاتا ومسعدة الواقعة شمال الجولان.
ربما يأتي سياق التعاطي العام مع الجولان السوري المحتل وقضيته من رؤية النظام السوري نحوه منذ عام حرب تشرين عام 1973 فقد أصبح الجولاني قضية مزاودة مستمرة للنظام السوري ورفع شعار تحريره لمدة أربعين سنة في عهدي الأسد الأب والإبن دون رميه حتى بوردة، حسب المثل الشعبي السوري.
واعتبر مهجرو الجولان في سوريا «نازحين» وتعاطى النظام السوري معهم كنازحين حسب تعريف الأمم المتحدة، سكنوا في مخيمات في طوق دمشق دون رعاية لائقة أو اهتمام يوازي حجم الاهتمام بشعارات تحرير أرضهم من الاحتلال الإسرائيلي. وتذرع النظام بأن عودتهم قريبة وظلوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية ووصلت أعدادهم في إحصاءات غير رسمية عام 2010 قرابة 800 ألف نازح.
وتراجعت قضية الجولان بعد الثورة السورية بشكل كبير. ولم تعد على سُلم أولويات النظام أو المعارضة السياسية، فيما تحركت تل أبيب لضمان أمن الهضبة باعتبارها بوابتها المشتركة مع سوريا. وعملت على اختراق الجبهة السورية المحاذية والتي سيطرت عليها بعض الفصائل السورية هناك فافتتحت مشاف عسكرية، استقبلت فيها الجرحى السوريين من أطفال ونساء ومقاتلين أصيبوا في معارك مع النظام السوري في الجيب الضيق والبعيد عن الحدود الأردنية هناك. وتطور الأمر إلى دعم إنساني من خلال تقديم مواد غذائية ولاحقا رابطت بعض الفصائل السورية الصغيرة فيها عندما كانت تفكر في تشكيل ميليشيا لها داخل الأراضي السورية على طريقة «جيش لبنان الجنوبي» يحول بينها وبين الميليشيات الإيرانية التي نشطت قرب حدوها في محيط القنيطرة. ولكن سرعان ما تخلت عن ذلك بعد الاتفاق الروسي الأمريكي في جنوب سوريا والذي تعهدت خلاله موسكو بإبعاد إيران عن حدود الجولان المحتل إلى مشارف العاصمة دمشق.
ويلاحظ برود رد الفعل السوري عموماً تجاه قرار ترامب اعتراف بلاده بالجولان كجزء من دولة إسرائيل. فلا أبناء الجولان أنفسهم كان لهم الرد الواضح كما حصل ابان القرار الإسرائيلي بضم الجولان عام 1981. ولا ملايين المهجرين السوريين استنكروا القرار أمام السفارات الأمريكية في أصقاع الدنيا ولا المعارضة شعرت بخطورة القرار.
النظام من جهته رد على القرار من خلال مظاهرات في بعض المدن الكبرى التحق بها العشرات هنا وهناك فقط. وأكثر ما يكثف حالته في التعاطي مع الجولان هو المنسف الذي امتلأ بتراب الجولان وتحلق حوله عدد من مسؤولي البعث والضباط السوريين ونصبوا فوقه العلم السوري وكأنهم رفعوا العلم على تراب الجولان بعد تحريره من الاحتلال الإسرائيلي.
----------------
القدس العربي