مؤلم أن يبدو أمجد تحت وطأة العارض الصحي الجسيم عاجزا، أو شبه عاجز، عن اجتراح
من المؤلم هذا، لأن المبدع يعيش حياة ثانية، مستقلة نسبيا عن جسده البيولوجي (كلما تقدّم المرء في العمر، يختبر بسهولة كيف يستقل عن جسده، وينساه، وكيف تحلق روحُه وتهيم منفردة)، فإذا ما أصاب جسد المبدع وهن أو اضطراب، أو انكسار، فما شأن كيانه، أو إهابه الآخر بما يحدث؟ لماذا يستتبع الكيان الثاني ذاك الأول، ولماذا لا يحدث العكس بأن يأتمر الجسد بأوامر الكيان الناشئ؟ تلك هي لعبة الحياة ولعنتها، فالكائن البشري، بما فيه الخلاق المبتكر، يولد وينمو ويتزاوج ويهرم ويهدّده المصير المحتوم، شأنه في ذلك شأن أدنى الكائنات، المعروفة منها أو المجهولة، المرئية وتلك التي تتعذّر رؤيتها بالعين المجردة.
(2)
استهل أمجد حياته راديكالياً في السياسة، وفي الشعر الأول الذي لم يجمعه لاحقا. وسرعان ما أدرك أن الإبداع يشقّ طريقه الخاص، متحرّرا من كل ما يثقله من خارجه. وبقي أمينا لنزعة تحرّرية، وفي تبني قضايا بسطاء الناس، وسمت بدايته مع استخلاص الدروس من التجربة وتبريد الرأس، وإعادة النظر في محتوى مفاهيم اليسار واليمين. وقد أصيب في وقتٍ ساد الجحيم البشري في ديار العروبة وعلى أيدي أنظمة متوحشة. وهو ما يعكسه ديوانه الجديد "مملكة آدم" الذي اطلع كاتب هذه السطور على قصائد منه. وبينما تساقطت البراميل المتفجرة على بيوت الناس العزل، فقد اختار السرطان نموذجا شديد التصغير للبرميل المتفجر، لكي يستقر في رأسه، وأن ينمو هناك، ويتسبب على مدى عام بصداع للشاعر، لا يقل فداحةً عن "الصداع الكوني".
بهذا، عاد أمجد إلى الناس (من دون أن يفارقهم، بل اختار حيزه الخاص)، ليأخذ معهم حصته الكبيرة من الجحيم، أسوة بما لا يُحصى من ضحايا ومصابين ممن ضجر الأصحّاء من متابعة محنتهم... فيما اعتبرهم رفاق سابقون لأمجد بأنهم لا يستحقون الانشغال بهم، والتوقف عندهم في معمعة "النضال ضد الإمبريالية".
(3)
يصف أمجد حياته بأنها "لا توسط فيها. تطرف. مراودة الأقصى"، كما كتب في نصه الأخير، والحق أنه كان متطرّفا في ولائه للشعر وللإنسان بعامة. وخلا ذلك، كان يعرف، في دخيلته،
(4)
لم تكتف بعض الصحافة السريعة والمتسرّعة بوصفه أنه قد رثى نفسه، إذ أضاف بعضها، قبل أيام، ما يفيد باستعجال المكروه. وتلك عادة درجت عليها بعض هذه الصحافة، ومعها منصات التواصل، في إماتة الأحياء، كما فعلت مع محمد الفيتوري ومظفر النواب وسواهما، وذلك بناء على شطارةٍ بائسة، تقوم على أن مثل هذا الحدث "متوقع"، و"يمكن الخبر يزبط" (لعله يصح)، بأن يفارق إنسانٌ الحياة، كي يصح خبرنا ــ السبق. بمثل هذه الخفّة، يتم التلاعب بمصير شاعر زميل. وهذا هو مآل بعض الصحافات، في المهنة التي اختارها الشاعر، بعدما أدركته حرفة الأدب.
-------------
العربي الجديد