اوربا ترحب بـ”حكم تاريخي” بإدانة مسؤول سابق بالنظام السوري

وكالات - بي بي سي - اكي - الجزيرة

وصف أحد المتحدثين باسم المفوضية الأوروبية بـ”التاريخي” الحكم الصادر يوم الخميس الماضي عن المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنس بألمانيا، والقاضي بإدانة العقيد السوري السابق، أنور رسلان ، بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” في عامي 2011 و 2012 في سورية.
وأشار بيتر ستانو، في بيان الجمعة إلى أن هذا الحكم هو نتاج أول محاكمة على مستوى العالم بشأن “تعذيب الدولة” في سورية و”خطوة مهمة نحو مكافحة الإفلات من العقاب وتأمين العدالة والمساءلة” هناك.

ونوه بأن الاتحاد الأوروبي “دعم وسيواصل دعم الجهود المبذولة لجمع الأدلة بهدف اتخاذ إجراءات قانونية في المستقبل، بما في ذلك من خلال الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) واللجنة الدولية المستقلة للتحقيق”.

وقال إن الاتحاد الأوروبي يجدد دعوته لـ”إحالة الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية”.

وقد قضت محكمة ألمانية على العقيد السوري السابق أنور رسلان بالسجن المؤبد لارتكابه "جرائم ضد الإنسانية" في سجن سيء السمعة في دمشق.

وارتبط اسم رسلان بتعذيب 4000 شخص خلال الحرب السورية. وتعد هذه المحاكمة، التي تمت في مدينة كوبلنز، أول قضية جنائية ترفع بشأن عمليات التعذيب يتهم مسؤولو الحكومة في سوريا بتنفيذها.

 

ومن الصعب تخيل حالة الرجال والنساء المسجونين في سجن "الخطيب" في سوريا، وكيف تحملوا المعاناة.

ولعب رسلان، البالغ من العمر 58 عاما، دورا في الإجراءات التي اتخذت في سوريا ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2011.

فقد ألقي القبض آنذاك على العديد من المتظاهرين وغيرهم ممن يُشتبه في معارضتهم للحكومة، واحتجزوا في سجن الخطيب في دمشق. ويقول مدعون إن رسلان كان يدير هذه العمليات.

 و بعد جلسات ماراثونية في محكمة كوبلنز لقضية الضابط السوري أنور رسلان امتدت لنحو سنتين ونصف، نُطق الحكم عليه -اليوم الخميس- بالسجن مدى الحياة لإدانته بارتكاب جرائم تعذيب وقتل بحق معتقلين سوريين.
وكانت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز التابعة لولاية راين لاند فالس الألمانية، قد وضعت يدها على قضية المتهم أنور رسلان، الضابط السوري اللاجئ في ألمانيا الذي كان يعمل في فرع الأمن المعروف باسم "فرع الخطيب" في العاصمة السورية دمشق، وهو أحد الفروع الأمنية التي يقول ناشطون إنها مارست أبشع الجرائم على السوريين

من اللجوء للسجن المؤبد

فقبل نحو 5 سنوات، التقى المحامي السوري أنور البني بمن وصفه بـ"جلاده" العقيد في فرع الخطيب أنور رسلان في المخيم الذي كان يقيم فيه بداية رحلة لجوئه إلى ألمانيا، إلا أن البني لم يكن متأكدا أو متوقعا أن يكون الضابط لاجئا في هذا المخيم، وحينها انتابه شعور بأن الوجوه قد تتشابه.

وبعد فترة من الوقت، التقى البني برسلان في أحد المجمعات التجارية في نفس المدينة التي يقيم فيها، ووقتها تأكد البني أن الذي رآه هو أنور رسلان، الذي كان يشغل منصب رئيس قسم التحقيق في فرع الأمن الداخلي (فرع الخطيب) الذي يحمل الرمز "251"، وهي رموز تحملها عادة فروع الأمن في سوريا.
وعلى إثر ذلك بدأ البني -الذي يشغل منصب رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المهتم بحقوق الإنسان- حراكه أمام الجهات القانونية المختصة في ألمانيا.
وتقدم البني بادعاء وفق الأصول القانونية، وجرت التحقيقات التي أحيلت لاحقا للمحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز الألمانية، وعلى إثرها قام المدعي العام فيها بتحريك دعوى عامة بحق أنور رسلان، إضافة لشخص آخر يدعى إياد غريب عمل في الفرع نفسه الذي كان يعمل فيه رسلان.

التهم: آلاف الضحايا

ووجه المدعي العام لرسلان وغريب تهما، هي:
  • تعذيب أكثر من 4 آلاف معتقل.
  • قتل 58 شخصا نتيجة التعذيب الشديد.
  • المسؤولية عن حالتي اغتصاب وعنف جنسي.
وبحسب الادعاء، فقد ارتكبت هذه الجرائم في الفترة الممتدة من نيسان/أبريل 2011 حتى سبتمبر/أيلول 2012

وكانت المحكمة التي نظرت في القضية قد تألفت من 5 قضاة، حيث أبدى رسلان في بداية المحكمة اعتراضه على قرار الاتهام من خلال محاميه الألماني، واعتبر أن كافة الإجراءات التي اتخذت بحقه باطلة بذريعة أن كافة التحقيقات التي جرت معه والأقوال التي أدلى بها كانت تأخذ منه بصفته شاهدا.
أما المتهم إياد غريب الذي كان برتبة ضابط صف، فأكد أنه عندما لجأ إلى ألمانيا، قدّم كل هذه المعلومات واعترف في البدء بالجرائم التي ارتكبت في الفرع، إلاّ أنه انشق عن النظام ولجأ إلى ألمانيا.
وبعد عدة جلسات استمعت فيها المحكمة إلى أقوال عدد من الضحايا والادعاء العام والشهود والخبراء وعدد من الشهود، أصدرت حكمها بتاريخ 24 فبراير/شباط 2021 بالتفريق بين محاكمة المتهمين إياد غريب وأنور رسلان.

وقررت المحكمة إدانة غريب بتهم المساعدة والتحريض على التعذيب، والحرمان الشديد من الحرية كجرائم ضد الإنسانية، وفقا للمادة السابعة من القانون الجنائي الدولي، والحكم عليه بالسجن لمدة 4 سنوات و6 أشهر.
أما المتهم أنور رسلان، فقد استمر بإنكار وجود أي تعذيب في جميع جلسات المحاكمة، ووصف الفروع الأمنية بالمراكز التثقيفية، وأن ما يحدث في سوريا هو حرب أهلية.
 

 شهود على التعذيب وكانت المحكمة قد استدعت شهود نفي وإثبات، واستمعت إلى نحو 100 شاهد، إضافة للمرافعات النهائية للمدعي العام والادعاء الشخصي ومرافعة المتهم أنور بواسطة محاميه، وختمت المحكمة المرافعات في هذه القضية، قبل أن تصدر قرارها اليوم على المتهم أنور رسلان بالسجن المؤبد.

وبرأي حقوقيين، فإن هذا الحكم يؤسس لملاحقة شخصيات من أركان النظام السوري وضباطه أمام المحاكم الوطنية أو محكمة الجنايات الدولية.

لن يفلتوا من العقاب

من جهته، عبر المحامي أنور البني -الذي كان سببا مباشرا في محاكمة رسلان- عن بهجته، معتبرا أن الحكم يمثل "انتصارا للضحايا وإدانة لكل المجرمين في سوريا".
وقال للجزيرة نت إن هذا الحكم بمثابة رسالة لهؤلاء أن المحاكم بانتظارهم، وأنهم لن يكونوا جزءا من حكم سوريا مستقبلا، كما قال.
وأضاف "رغم ما يعتري عملنا من صعوبات في نقل معاناة السوريين، وما تعرض له المعتقلون والشعب السوري بشكل عام، إلا أننا نعمل على إيصال صوت الضحايا للعالم أجمع، ولن نتوقف عن ذلك".

 

أحيت آمال الضحايا

من جهته، اعتبر المحامي السوري ياسر العمر الذي فقد ابنه البكر في معتقلات النظام السوري، أن قرار المحكمة الألمانية أحيا الأمل لدى أسر "ضحايا النظام الأسدي المجرم".
وقال للجزيرة نت "نثمن عاليا ما قامت به المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز من إحقاق العدالة، وإيقاع العقاب بحق أحد المجرمين من النظام السوري، ونثمّن دور جميع أجهزة الأمن الألمانية التي لم تدخر جهدا لإيصال هؤلاء إلى قفص الاتهام".
    بدوره، قال المحامي ميشيل شماس -للجزيرة نت- إن هذا الحكم "لا يعادل يوما واحدا من معاناة المعتقلين في سوريا"، وتابع "لكن هذه المحكمة فتحت بابا لمحاكمة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وكنا نأمل أن تكون في سوريا".

وقال شماس أيضا "ننتظر أيضا محاكمة الطبيب المجرم علاء موسى الذي كان يعذب المعتقلين في مستشفى حمص العسكري، والتي ستجرى في فرانكفورت، وكذلك لمتهم آخر في برلين من الجبهة الشعبية، متهم بإطلاق قذيفة هاون على تجمع مدني أدى لمقتل وجرح أكثر من 30 مدنيا".

الولاية القضائية العالمية

وبرأي حقوقيين، فإن نتيجة هذه القضية تأتي على الرغم من الصعوبات التي تواجه السوريين في ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا، حيث تمكن ناشطون حقوقيون من ملاحقة بعض هؤلاء عبر الولاية القضائية العالمية (التي تستمد شرعيتها من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية، ويجب أن ينفذها جميع من وقع عليها استنادا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969).
جدير بالذكر أن النظام في سوريا لم يصادق على نظام روما الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، حتى تتمكن هذه المحكمة من بسط سلطتها على الجرائم المرتكبة في سوريا، نظرا لأن المادة الثانية عشرة من هذا النظام أعطت الحقّ للمحكمة في بسط سلطتها على الجرائم المرتكبة في الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية.