دراسة : المخابرات والعنف السياسي لمحة تاريخية عن المخابرات السورية

أندرو راثميل/ ترجمة أحمد عيشة

مقدمة - تُعدّ سورية مثالًا للدولة الاستبدادية – البرايتورية الحديثة، حيث تدعم وحدات الجيش الرئيسية حُكم حافظ الأسد، لكن أجهزة المخابرات، أو المخابرات، هي “حجر الزاوية” في “القوس السياسي” للأسد. بالإضافة إلى دورها الحاسم في دعم حكم الأسد الاستبدادي، أدّت أجهزة المخابرات أدوارًا رئيسة في الأجواء الخارجية السورية. وإنّ تورطها في الإرهاب معروف للغاية، لكنها أصبحت أيضًا، ولا سيّما في لبنان، بمنزلة حكّام رائدين في السياسة الخارجية على طريقتهم الخاصة.
على الرغم من أهميتها بالنسبة إلى الأجواء المحلية والإقليمية، فإن أجهزة المخابرات السورية لا تزال غير مدروسة. وعلى الرغم من أن دراسات السياسة السورية غالبًا ما تشير إلى أجهزة المخابرات، فإن هناك قليلًا من المحاولات المنهجية لدراسة تطورها ودورها. هذه المقالة هي محاولة لسدّ هذه الفجوة، من خلال دراسة أصول المخابرات السورية وتطوّرها، إضافة إلى تقديم نظرة ثاقبة إلى استخدامها للعمل السري والإرهاب.


دراسة المخابرات والعنف السياسي
تهدف هذه الدراسة إلى تقديم مساهمات في مجالات منفصلة، ولكنها ذات صلة بدراسات المخابرات والسياسة الاستبدادية. انطلقت الدراسة الأكاديمية للمخابرات في الغرب، على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، مع تركيز غالبية الأبحاث على المخابرات الغربية، البريطانية والأميركية في المقام الأول. وكان هناك عمل كبير على أجهزة المخابرات الغربية الأخرى، مثل كندا وأستراليا، في حين ظهرت أيضًا دراسات عن أجهزة استخبارات الاتحاد السوفيتي السابق بأعداد متزايدة.
تم إنجاز قدر محدود من العمل على المخابرات، في أجزاء أخرى من العالم، لكن دراسات المخابرات المقارنة ما زالت تفتقر إلى الاتساع والشمول. بدأت الدراسات حول المخابرات الصينية في الظهور الآن، بينما دُرست مخابرات إسرائيل بشكل جيد، وإن كان ذلك، في كثير من الأحيان، بطريقة غير أكاديمية إلى حد ما. وبصرف النظر عن هذه المجالات، فإن الدراسات الاستخباراتية قد غابت فعليًا عن البلدان النامية. هذه الثغرة تكون أكثر وضوحًا في العالم العربي، من أيّ مكان أكثر. غالبًا ما دخلت الدول العربية في دراسات المخابرات بطريقتين فقط: الأولى دراستها كضحايا للعمل السرّي الغربي، في دراسات عن أنشطة أجهزة الاستخبارات الغربية في العالم الثالث؛ والثانية تصويرها على أنها مرتكبة “الإرهاب الذي ترعاه الدولة”. وهذه المقاربات، وإن كانت تتناول مواضيع مهمة، لا تقدّم تفسيرًا شاملًا لتطور المخابرات الوطنية وأدوارها. وهذه المواقف والتفسيرات ضرورية، إذا أريد للدراسات الاستخباراتية المقارنة توسيع نطاقها.
إن الحاجة إلى دراسة المخابرات في العالم العربي ملحّة وبخاصة لأن لهذه المؤسسات أهمية سياسية محلية قصوى في عدد كبير من الدول العربية. كان ظهور الدولة الاستبدادية، أو على وجه أكثر تخصيصًا، الدولة البرايتورية، في العالم العربي [[11]]url:https://www.harmoon.org/researches/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1/#_ftn11 موضوعًا يحظى باهتمام بعض علماء السياسة لعدد من الأعوام. ومع ذلك، كما جادلت مراجعة حديثة للمؤلفات، “لقيت أعمال العنف التي تقوم بها الدولة (بنطاق محدود) الاهتمام المنتظم في المنح الدراسية الأخيرة”.
في السياسة الداخلية، أصبحت كثير من الدول العربية الحديثة “دولًا أمنية” فعلية. وقد تم الارتقاء بأجهزة المخابرات والأمن إلى دور قيادي في الدولة. فبدلًا من خدمة الحكومة المركزية، كما هو معتاد في الدول الغربية، أصبحت تشارك السلطة على أعلى المستويات. إن تطور “بيروقراطيات القمع” تلك موضوعٌ يحتاج إلى مزيد من الدراسة. بينما تحركت “دول أمنية” أخرى، وأشهرها “دول الأمن القومي” في أميركا اللاتينية، لكبح أجهزتها الأمنية الداخلية، يبدو أن الاتجاه الحالي في العالم العربي يسير نحو تعزيز وسائل القمع. كما تشير الأحداث الجارية في الجزائر ومصر وفلسطين والمملكة العربية السعودية والبحرين، من المرجح أن يؤدي التهديد الداخلي المتزايد لكثير من هذه الدول إلى زيادة دور أجهزتها القمعية.
المشكلة التي يواجهها الباحثون، في جميع فروع دراسات المخابرات، هي قلة المعلومات التي يمكن التحقق منها. ومع ذلك، فقد تمكن الكتّاب المعنيون بالمخابرات الغربية، وبالاتحاد السوفيتي السابق أيضًا، من استخدام المحفوظات الرسمية والمقابلات لإحراز تقدم كبير. وتكون المشكلة أكثر حدة حين يتعلق الأمر بالعالم النامي. وفي البلدان القليلة التي توجد فيها محفوظات رسمية موجودة، ونادرًا ما تكون متاحة للباحثين المحليين، فضلًا عن الأجانب. عادة ما تكون المواد المرتبطة بأي شكل من الأشكال بالأمن أو بالاستخبارات، أو حتى بالسياسة الحديثة، خارج نطاق التداول. يمكن استخدام المقابلات إلى حد محدود، ولكن يمكن أن تثبت أنها غير موثوقة بدرجة أكبر مما هي عليه في السياق الغربي. وقد تميل هذه المشكلات إلى ردع الباحثين، لكنها لا يجب أن توقف تنفيذ العمل، نظرًا لأن كثيرًا من العمل التجريبي الأولي في انتظار القيام به. هناك حاجة إلى دراسة تاريخ أجهزة المخابرات العربية، وهياكلها التنظيمية والعمليات والأدوار السياسية والعسكرية التي تقوم بها.
تستخدم هذه المقالة مقاربتين مختلفتين، للإشارة إلى نوع العمل الممكن في دولة عربية مغلقة نسبيًا (في هذه الحالة هي سورية). يقدّم الجزء الأول لمحة عامة عن تاريخ وتطور أجهزة المخابرات السورية التي تم تجميعها من مجموعة من المصادر الثانوية والمصادر الأولية المتاحة بسهولة. ويشير هذا إلى ما يمكن تعلّمه من تفسير المصادر المتاحة بسهولة. أما الجزء الثاني فهو عبارة عن دراسة للعمل السري وشبه العسكري، خلال المواجهة بين عامي 1960 و1961 بين سورية والأردن. تعتمد هذه الدراسة بشكل أساسي على المصادر الصحفية الغربية والمحلية. وتوضح ما يمكن تعلّمه عن الأعمال السرّية العادية لأجهزة المخابرات العربية، من خلال تحليل الأحداث العرضية عالية الوضوح.
-------------
مركز حرمون للدراسات المعاصرة