رسالة إلى الأستاذ الفنان دريد لحام

فؤاد حميرة



الأستاذ دريد لحام . تحية أما بعد:
شعرت بقهر كبير وأنا استمع إلى لقائك على إحدى المحطات الفضائية حين تصف المعارضين الذين خرجوا من سوريا بأنهم (انشقوا عن الوطن لأجل حفنة من الدولارات) أي ظلم وأي طعم للمرارة ونحن نسمع منك هذه الإهانة، نحن الذين لم نرض ببيع حقوق الوطن وحقوق المواطنين وحقوق العمال وحقوق الفلاحين مقابل مئات الملايين من الدولارات، نحن الذين خرجنا لأجل فقراء البلد المهزومين أمام جشع غيلان الاقتصاد وحيتان النهب والارتزاق على حساب حقوق الوطن ولوقف عمليات بيع الوطن للخارج وتسليم مقدراته وثرواته وجهد أبنائه إلى عصابة تملك كل شيء في مقابل غالبية ساحقة لا تملك شيئا اللهم إلا قوت يومها.

  لم نغادر طوعا يا أستاذ دريد ولم يكن الخروج من الوطن خيارا، لقد كان الأمر أشقّ علينا من سلخ الجلد، خرجنا وفي فمنا طعم المرار من صمتك أنت وأمثالك عن اعتقالنا وإهانتنا وتعذيبنا ورمينا في الزنازين المنفردة، ولم نسمع منك اعتراضا (أنت وأشباهك) لم نسمع لوما للنظام أو للجهة التي اعتقلتنا على أقل تقدير حتى أنك لا تتجرأ على الاقتراب من هذه المواضيع، خرجنا يا أستاذ دريد وفي صدورنا جمرة على شبابنا الذي يموت في المعتقلات تحت التعذيب، هل نسيت مصير زميلك في نقابة الفنانين "زكي كورديللو" وابنه؟ أم أن زكي ليس من مقامك لتأتي على ذكره، وتطالب بالإفراج عنه؟ أم أنك تصدق بأن "زكي كورديللو" إرهابي ويدعم الإرهاب؟؟ إن كان الأمر كذلك فاسمح لي ألا أناديك بلقب أستاذ واسمح لجمهور المعارضة أن يقول رأيه بدفاعك عن نظام تسبب في هروب نصف الشعب السوري من وطنه.
في مخيمات اللجوء التي لا تعرف عنها شيئا يا أستاذ دريد لا يجدون لقمة الطعام ولا غطاء يقيهم برد الشتاء في العراء نصفهم على الأقل له صلة قرابة بشهيد في السجون أو معتقل ينتظر الموت تحت التعذيب في المعتقلات التي طالما رفضتها في أعمالك.
لا نطالبك ولن نطالبك في يوم من الأيام أن تكون إلى جانب الثورة ولا نريد منك دفاعا عنها كما لا نطالبك بموقف سياسي بل بموقف إنساني إزاء آلاف المعتقلين وأنت لم تأت على ذكرهم، ولا تتذكر غير أننا خرجنا لأننا بعنا الوطن مقابل حفنة من الدولارات.
أنت تعلم يا أستاذ دريد أنك أكثر فنان عربي اعتاش على هذه الدولارات وأنك أكثر فنان سوري كانت تتساقط عليه هذه الدولارات، وكنت تتقبلها بكل الرضى والصمت فيما كنا نصفق نحن بكل الطيبة وبكل الحب لأعمالك، ذلك أن (غوار الطوشة) العاشق المقهور، السياسي البسيط كان يمثلنا ويمثل أحلامنا، ولكن دريد لحام خذلنا ليس بصمته (وكان الأولى على الأقل) وليس بدفاعه عن نظام تسبب بمقتل الملايين وتهجير الشعب السوري في هجرة هي الأغرب بتاريخه ليس لذلك فقط، فليتك اكتفيت بالدفاع عن النظام بل أنت تتهمنا ودون وجه حق ببيع الوطن والمتاجرة بأهله لقاء حفنة من الدولارات.
هل نفتح ملفات من باع ومن اشترى بالوطن وأهله يا أستاذ دريد؟
أحد عشر يوما وأنا أتعرض للإهانات والتعذيب في أقبية النظام..هل تدرك حجم الدموع التي انهمرت من روحي حينها؟ هل تستطيع تذوق طعم المرار في حلقي وأنا أسمع شتيمة أمي بأنها عاهرة وساقطة وسوف يفعلون بها كذا وكذا وكذا ...أتعلم؟ حين كانوا يشتمون أمي كانت أغنيتك (يامو يا ست الحناين يامو) لا تغادر رأسي (ياما بردتي ياما لتدفيني ...ياما جعتي ياما لتطعميني ...وكم جوز جرابات رقعتيلي)، ولكن لم تكن أمي تعلم أنها ستجوع لأجلي وتبرد لأجلي ثم تأتي عصابة من السفلة تعذب ابنها الذي جاعت لأجله..لم تكن أمي وهي تعاني الجوع لأجلي، تتخيل يوما يأتي يتعرض فيه فلذة كبدها للتعذيب والضرب والإهانات..لم تجع أمي ولم تبرد ولم تتشرد لأجل ذلك يا أستاذ دريد، ونحن أيضا لم نعانِ الجوع والقهر والذل لأجل حفنة من الدولارات بل لأجل وطن يتسع للجميع بكرامة وحرية لأجل أن يعيش أولادنا في ظل العدالة والمساواة التي لم نتذوق طعمها منذ أن جئنا في هذه البلاد كصدفة.
مع كل صفعة تلقيتها وكل ركلة قدم انهالت على رأسي وجسدي كنت أتذكر جملتك الشهيرة (المواطن خلق ليرفع راسه مو رجليه) وفي الأقبية لن يرفعوا معنوياتك بالتأكيد ولن يعطونك جرعة زائدة في عشق الأنظمة الديكتاتورية، كنت أتذكر دورك في مسلسل (وين الغلط) حلقة (قلم حبر) على سبيل المثال، هل تذكرها يا أستاذنا؟ أنا أحفظها عن ظهر قلب، أساسا أنت وفنك ورطتموني بعشق الحرية فلماذا تخليت عني؟
تأثرت بتوقك للحرية في مسلسل (صح النوم) و(ملح سكر) وسعيك الحثيث لتكون مواطنا صالحا ولكن الظرف قهرك، أنت من ورطني بعشق وطن حلمنا به سوية وفجأة تخذلني، تتخلى عني وتتخلى عن أحلامك أفكارك، تتنكر لماضيك الذي أوقعني في عشق فطوم حيص بيص وأشباهها، لماذا ورطتني إذا؟؟؟ هل تذكر مشهد عيد الكذب في مسرحية (غربة)؟
لن أرد الاتهام عليك فأقول إنك انتهازي تبيع ضميرك وتبيع أصدقاءك وزملاءك في مهنة الفن وتصمت على موتهم وإهانتهم واعتقالهم ...أبدا ...لن أردها عليك لأنك في نظري أستاذ وقامة فنية أفتخر بها شخصيا، ولكني ما زلت أنتظر وما زلت آمل أن تقول يوما: لماذا تعتقلون كل أولئك الناس؟ فقط ..والله لا أطمع منك بأكثر منها..!
------------
زمان الوصل