فنانون من 8 دول فى معرض تشكيلى على ضفتى النيل لحماية الأنهار

حجاج سلامة


الأقصر - حجاج سلامة– اقيم بمكتبة مصر العامة، المطلة على طريق الكباش الفرعونى، بمدينة الأقصر التاريخية، بصعيد مصر، معرض للفنون التشكيلية التى تنوعت ما بين رسوم ومنحوتات، لفنانين من 8 دول هى الولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا، و المانيا، وروسيا، وأوكرانيا، وتشيلى، والإمارات ومصر، تجمعوا سويا، فى مهمة فنية استمرت اسبوعا كاملا على ضفتى النيل ، ووسط معابد الفراعنة، الذين قدسوا النهر الخالد قبيل آلاف السنين.
المعرض الذى ضم قرابة 55 عملا فنيا من لوحات ومنحوتات، كان حصاد مشاركة 45 فنانا بالدورة الثانية – دورة العام 2019 - لملتقى الأقصر للفنون البصرية، الذى جرت فعالياته وسط حدائق فندق شهرزاد التراثى الريفى، المطل على الضفة الغربية من نهر النيل الخالد، وبين آثار مدينة الأقصر الغنية بمئات المقابر وعشرات المعابد الفرعونية.

 
وقال رئيس الملتقى، الفنان التشكيلى المصرى الدكتور محمد عرابى، لوكالة الأنباء الألمانية ( د . ب . أ ) " إن الأعمال المعروضة بالمعرض الذي أقيم خلال شهر آذار/مارس ويستمر طوال شهر نيسان/ ابريل الحالي، تدور جميعها فى فلك الأنهار وكل ما تحمله من مدلولات حضارية وإنسانية.
واشار " عرابى " إلى أنه نظرا للأهمية الدائمة للمياه والأنهار، فقد جاء الموضوع الرئيسى للدروة الثانية من ملتقى الأقصر للفنون البصرية لهذا العام، حاملا عنوان " تـرانيـم الحـياة بين ضــفتي النهــر " لتكون تلك هى الفكرة التى يجتمع عليها فنانون محترفون في مجالات مختلفة من الفنون البصرية وينتمون لثقافات مختلفة، بجانب مجموعة شباب الفنانين من مصر، فى محاولة لتقديم رسالة فنية تحث العالم على حماية الأنهار، وعلى العيش المشترك فى سلام.
الأنهار
ولكن لماذا كانت الأنهار موضوعا لأعمال فنية بريشة وأنامل 45 فنانا وفنانة من ثمانى دول؟.

وتجيبنا على هذا السؤال، الفنانة التشكيلية الدكتورة منال مبارك، المنسق العام للملتقى، فتقول بأن الأنهار مثل النيل، ودجلة والفرات، ونهر العاص ونهر الأردن ، ونهر السين و نهر الراين ونهر الدانوب، ونهر الأمازون، هى شرايين الحياة وينابيع الحضارة، ... والأنهار هى التى ألهمت البشرية بأسباب الحياة ودساتير التحضر : العدل، الحق، الخير، والجمال. منذ فجر الضمير كان النيل أحد الأنهار المــقدسة ملهمة الضمير.
وأنه بحسب معتقدات قدماء المصريين، فإن الانسان يقسم الإنسان في اليوم العظيم أمام الآلهة : " إني لم ألوث مياه النهر"، فيكون القسم منجيا لصاحبه من الهلاك .

وأن الأنهار جسور بين الأرض والســــماء، ورســــل الحياة من السماء. وأن تلك الأنهار باتت اليوم تتعرض لهجوم من قوى الشر التى باتت تتغلغل في أرجاء المعمورة لتدمر انجازات البشرية، وتدمر الأنهار التى هى دساتير الحياة، وبكل قسوة تُفٌنٍي الحياة بكل معانيها وصورها، كل يوم نرى آثارها المدمرة في مواطن الأنهار مهد الحضارة ومنابعهاالأولى.
فنحن نرى دماراً في اليمن وفلسطين والشام وبلاد الرافدين, وما مازال الشر متربصا بمصر ووادي النيل والنهر من منبعه لمصبه، فالصراع المادي بثقافته الإستعمارية، هدفه الإستحواذ على الثروات وبخاصة المياه .
وكل ذلك يجعلنا نتذكر قيمة الأنهار ودورها الأساسى في تحضر الإنسانية، وذلك بما قدمته للبشرية من قيم جعلته يدرك مبكرا أهمية التعايش في ظل قوانين تنظم علاقة الفرد بالجماعة، فتشكلت الدول واستقرت الحياة ، وتحققت عوامل إزدهار الفكر والفنون والعلوم لتسموا الحياة الإنسانية إلى مرتبة البناء والاستدامة في أبهى صورها ... ومن هنا جاءت فكرة أن تكون الأنهار عنوانا لمعرض وملتقى الأقصر للفنون البصرية هذا العام.
المعرض كان بمثابة استعادة لصور من تقديس المصريين القدماء لنهر النيل الخالد، وكما يقول علماء المصريات، فكثيرة هى النصوص التى عظمت مصر القديمة، بنهر النيل الخالد، والتى تؤرخ لتقديس المصريين للنيل؛ حيث يقول المؤرخ اليونانى الشهير " هيرودوت " أن " مصر هبة النيل "، ويقول هيرودوت أيضا،" إن مصر شمعة مستقرة فى قاع النيل فإذا أظلم العالم طفت على سطح النهر الخالد لتنير العالم من جديد ".

وكان قدماء المصريين يعتقدون أن النيل هو مركز العالم، وأن منبعه هو بداية العالم، وكان النيل يفيض فى كل عام ليروى الحقول، ويزيد من خصوبة الأرض بما يجلبه مع مياهه من الطمى، وكما يقول أحد الفلاسفة : " إنه لمنظر بهيج أن نرى النيل يمر فوق الحقول، فتختفى الأرض المنخفضة وتقع الأودية الصغيرة تحت سطح الماء ... وتبرز المدن كالجزر وما من مواصلات ممكنة بينها سوى القوارب ".
ورأى قدماء المصريين أن فيضان نهر النيل، هو بمثابة " مطر من الإله " تماما مثل رؤيتهم بأن هطول المطر " فيض سماوى ". وقد ألم المصريون القدماء تمام الإلمام بنهر النيل، وأطلقوا اسم " الأنهار " على فروعه فى منطقة الدلتا شمالى مصر، وجعلوا من النيل إلها أطلقوا عليه اسم " حعبى " ولم يكن حعبى هذا هو مجرد مجرى مياه مؤله، وإنما كان روح النيل.
وكان الفيضان هو " مجىء حعبى " الذى كان بحسب معتقدات قدماء المصريين هو أبو الالهة، وتتحدث الأساطير المصرية القديمة عن ما يسمى بـ " كهف حعبى " عند مضيق قرب اسوان، حيث كان ذلك الإله يطلق المياه التى تغمر حقول مصر العليا فى الجنوب، وعلى مقربة من العاصمة القاهرة، كان هناك مجرى يعرف باسم " بيت حعبى " وهو بمثابة مجرى آخر ينظم فيضان مياه النيل لمناطق مصر السفلى فى الشمال.
وكان قدماء المصريين يقيمون ما يعرف بعيد وفاء النيل، فعند هذين الموضعين فى القاهرة، وبالقرب من جبل السلسلة فى أسوان، كانت تقام الطقوس الدينية فيلقون فى النيل الكعك ومختلف المأكولات والفاكهة والتمائم والتماثيل التى كانت تقام لإله النيل " حعبى " والمصنوعة من الذهب والفضة واللازورد، وكان هناك موكب أسطورى مشهور هو موكب عروس النيل التى كانت تلقى هدية لنهر النيل، حتى يفيض بمياهه على ربوع مصر.