معهد أميركي:الربيع العربي لم ينتهِ وما حدث قبل 10 سنوات مجرد بداية

معهد الولايات المتحدة للسلام

سلط معهد الولايات المتحدة للسلام الضوء على الثورات العربية التي اندلعت قبل 10 سنوات، والنتائج التي حققتها، معتبراً أن ما حدث حتى الآن هو مجرد بداية، وأن التغيير قادم وإن كان بعد أمد طويل.

وقال المعهد إنه بعد عقد من الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي بشكل كبير في عام 2011، يستمر الجدل حول تأثيرها ومعناها وقيمتها النهائية في فهم السياسة والثقافة العربية المعاصرة.

فعندما عادت مصر إلى حكم "الرجل القوي" مع انقلاب عبد الفتاح السيسي في عام 2013، ومع استمرار الحروب في سوريا وليبيا واليمن دون أي بوادر للحل في، خلص الكثيرون إلى أن "الربيع العربي" كان سريع الزوال وأن التجربة فاشلة في التغيير السياسي، كما أن التراجع الديمقراطي الدراماتيكي في تونس، حيث علق الرئيس قيس سعيد البرلمان وعزل رئيس الوزراء فيما وصفه العديد من النقاد والمراقبين بأنه انقلاب، يمكن أن يضاف إلى هذا الاستنتاج، حيث كانت تونس تعتبر في كثير من الأحيان "قصة نجاح الربيع العربي الوحيدة". ودعا المعهد إلى التفكير في بديل وتفسير أكثر إقناعاً، باعتبار أنه لا ينبغي تقييم الانتفاضات العربية بناءً على نتائجها السياسية المباشرة فحسب، بل بناءً على تحولات تدريجية تعكس المواقف المتطورة والمقاربات التكيفية للأجيال الصاعدة التي تطالب بالتغيير. من وجهة النظر هذه، كانت انتفاضات 2011 بمثابة الطليعة الرائدة في اتجاه أعمق وأكثر اضطراباً للسلطة، في جميع مظاهره، وأصبحت أكثر انتشاراً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى العولمة والانتشار المتسارع للتكنولوجيا. فحتى مع استمرار الاستبداد في معظم أنحاء العالم العربي، أصبحت السلطة أيضاً أكثر عضوية وأقل تمركزاً في الهياكل الرسمية كما كانت في الماضي، حيث أنه من الممكن الآن أن تثير مقاطع الفيديو على الهواتف المحمولة حركات عالمية، كما يتضح من الفتاة المراهقة التي صوّرت مقتل جورج فلويد في شوارع "مينيابوليس" في الولايات المتحدة الأمريكية. لم يعد القادة الاستبداديون يمارسون السيطرة المتفرّدة على السرديات أو مصادر المعلومات؛ ولا يمكنهم منع التعبئة الشعبية المفاجئة، التي ربما نشأت من فيديو انتشر انتشاراً فيروسياً على إنستغرام أو فيسبوك. وبهذه الطريقة، انتقلت السلطة بشكل متزايد إلى الفاعلين غير التقليديين، من رواد الأعمال الاجتماعيين ذوي التفكير المتقدم إلى المزارعين الغاضبين، ففي جميع أنحاء العالم العربي، يستطيع الناس رواية قصصهم، بدون رقابة وبأصواتهم الخاصة. من هذا المنظور، من السابق لأوانه إغلاق كتاب الربيع العربي، إنه لم ينته بعد، فبعد الجولة الأولى من الثورات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، اندلعت انتفاضات شعبية أكثر حداثة في العامين الماضيين في العراق ولبنان والسودان والجزائر، وكلّها تسعى إلى تغيير سياسي منهجي. ويعكس استمرار حركات الاحتجاج تحوّلاً أكثرعمقاً في ديناميكيات القوة في المنطقة، حيث يكون النشطاء الشباب أقل عزوفاً عن المخاطرة، وأكثر استراتيجية في أهدافهم السياسية، وأكثر حكمة بعد استيعاب دروس الانتفاضات السابقة. بالطبع، الأنظمة والنخب الراسخة أيضاً تتلقى خبرة جيدة، حيث تكيّفت مع إجراءات السلطات القمعية في الجهود المستمرة لإسكات المعارضة، بما في ذلك من خلال تكنولوجيا المراقبة الصارمة. ومع ذلك، وعلى الرغم من النكسات، قد نصل إلى رؤية الربيع العربي كنقطة تحوّل لنتائج استراتيجية أكثر مما كان موضع تقدير في ذلك الوقت. هل هو تحوّل جذري؟ يقول المعهد إن باحثيه كانوا جزءاً من فريق من المؤلفين الذين تناولوا الانتفاضات في الأشهر الأولى من عام 2011، وإن المنهجية المستخدمة في "التحول الجذري" هي "فهم التغيير في الشرق الأوسط"، حيث قاموا بفحص ما فكّر به عدد من التجمّعات المكوّنة من خبراء حول التغيير؛ والذين درسوا فيما إذا كان سيحدث وكيف سيحدث هذا التغيير؛ ومن سيكون اللاعبون الرئيسيون في تحقيقه. وتمّ تنظيم هذه الدراسة حول عدة وجهات نظر مؤسسية مختلفة من: الأوساط الأكاديمية، العاملين في مجال الصحافة، مراكز الفكر، مؤسسات المخاطر التجارية، والمنظمات غير الحكومية المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد أثبتت نتائج الـ "تحوّل الجذري" صحة القول المأثور القديم القائل إن وجهه نظرك تتوقف علي موقعك، فنظراً لأن مجموعات الخبراء هذه لديها مهام ومجالات اهتمام متميزة، فقد كان من المرجح أن تعرف بعمق الجهات الفاعلة والقضايا في الشرق الأوسط التي أثرت على المنطقة. على سبيل المثال، ستركز مؤسسات المخاطر التجارية على الاستقرار الحكومي والسياسات الاقتصادية، بينما كان الأكاديميون يختبرون النظريات والفرضيات حول سبب وكيفية تخلّف المنطقة عن الآخرين في عمليات التحوّل الديمقراطي. وقد قدّم الصحفيون والمنظمات غير الحكومية المؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان، أكبر نظرة ثاقبة على مستوى النشاط الذي يحدث على الأرض قبل أن يشعل محمد البوعزيزي نفسه في تونس في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2010، كانوا يعرفون المزيد عن حجم الاستياء وشجاعة وقدرات جيل جديد من النشطاء العرب الشباب. الصحفيون الذين عاشوا بالفعل في المنطقة وطوّروا علاقات محلية بمرور الوقت كانوا في أفضل وضع لرؤية الديناميكية من أعلى إلى أسفل -مع فقدان النخب الراسخة للشرعية والديناميكية التصاعدية من الشارع- التي تتميز برغبة جديدة من الشعب الفتيّ لتحدي الأنظمة القمعية والتعبيرعن غضبه. كانت المنظمات غير الحكومية التي تركز عملها غالباً على محيط المجتمع بدلاً من المؤسسات التأسيسية أكثر انسجاماً مع الإحباط الشعبي المتزايد والمطالبة بالتغيير. بعد عشر سنوات بعد مرور عشر سنوات على نشر "التحوّل الجذري،" يعتقد المعهد أن نتائجه الرئيسية أكثر صلة من أي وقت مضى، حيث يتصارع الشرق الأوسط مع فيروس "كورونا" وتأثيراته من الدرجة الثانية والثالثة، إلى جانب مستويات قياسية من النزوح والمعاناة الإنسانية على مدى العقد الماضي على رأس الاقتصادات الفاشلة والحوكمة الكارثية. ويضيف المعهد: لفهم مسار المنطقة بشكل أفضل وتوقع المكان الذي ستظهر فيه الاحتجاجات الجديدة والتغيير المزعزع، يجب التأكد من أننا ندرك العديد من الأصوات المتباينة التي تستمر في التحريض من أجل التغيير. من هم المؤثرون الاجتماعيون والسياسيون الناشئون؟ هل نحن على دراية بالوسائط الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي الجديدة التي يستخدمها النشطاء للتعبئة؟ هل نستمع إلى المناقشات في المنطقة بعناية كافية؟ وهل نفهم حقاً التحولات في ديناميكيات القوة داخل هذه المجتمعات؟ إلى أي مدى لم يمنع النهج السائد الذي يركز على الأمن في المنطقة دعماً أكبر لبناء مؤسسات شاملة في جميع أنحاء العالم العربي فحسب، بل أعاق أيضًا فهم القوى التي لا تزال تدفع التغيير؟ في الأشهر والسنوات المقبلة، ستستمر المطالب بالتغيير السياسي في الظهور في أوساط مختلفة من المجتمعات العربية، حيث يبحث النشطاء الشباب والجمعيات المهنية ورجال الأعمال الناشئون وحتى بعض الضباط العسكريين المحترفين ذوي العقلية الإصلاحية عن طرق جديدة لفرض قيود على سلطة الرجال الأقوياء التي لا جدال فيها. إنهم يطالبون، بطرق مختلفة، لإصلاح الأنظمة السياسية الفاسدة، ويقاومون الخوف الذي تفرضه الميليشيات والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية، إنهم يطالبون بحكم خاضع للمساءلة ومتجاوب في مواجهة الأزمات المتتالية، إنهم يضغطون من أجل اقتصادات منتجة وشاملة توفر الفرص والوظائف ولا يقيّدها الفساد المتفشي. في عالم يتّسم بتزايد الانقسام والتنافس، ستتنوع شرارات الجولة التالية من التغيير من ما يبدو عادياً - مثل جمع القمامة في لبنان في عام 2015 – لتتحوّل إلى مطالب أكثر عمقاً لإصلاح الأنظمة السياسية المعطّلة بشكل أساسي، وكمثال واحد فقط، اندلعت الاحتجاجات في أعقاب حريق في 12 تموز/ يوليو في جناح مستشفى مخصص لمعالجة فيروس "كورونا" في الناصرية بالعراق، مما أسفر عن مقتل 60 شخصاً على الأقل، كان هذا ثاني حريق مدمّر في جناح مكافحة فيروس "كورونا" في أقل من ثلاثة أشهر في العراق، وتمّ إلقاء اللوم في كلا الحريقين على الإنشاءات المعيبة، باستخدام مواد بناء رخيصة وقابلة للاشتعال، وعدم كفاية تدابير السلامة، حيث انفجرت خزانات الأكسجين، وقد دعا المتظاهرون في الناصرية إلى الثورة، بسبب سنوات من الفساد الحكومي وسوء إدارة البنية التحتية للعراق، بما في ذلك نظام الرعاية الصحية المتداعي، حيث أعاق نقص المياه والكهرباء في المدينة جهود إخماد الحريق. سيستمرّ تعميق التوترات السياسية حول القضايا الأساسية للسلطة وحقوق المواطنين في اكتساب الزخم حيث يطالب النشطاء بالتغيير وقيام مراكز السلطة الراسخة بإعاقة أي جهد للإصلاح. لا يمكن المبالغة في تقدير المخاطر التي تنتظرنا، فالنشطاء في جميع أنحاء المنطقة يواجهون سلطات حكومية وغير حكومية تقوم بالقمع والقتل دونما رقيب أوبدون أي عقاب على أفعالها. ففي العراق والمملكة العربية السعودية ومصر والضفة الغربية وسوريا - على سبيل المثال لا الحصر أبرز الأمثلة - حيث تستغل الأنظمة القمع الوحشي لقمع المطالب بإحداث تغيير حقيقي، وحتى في عالم يتزايد فيه انتشار القوة، غالباً ما تسيطر أدوات السلطة القسرية. لكن على الرغم من هذه التهديدات، سيستمر النشطاء والمصلحون في التحريض على التغيير في منطقة تتميز بحكومات فشلت تماماً في تلبية تطلعات أو حتى الاحتياجات الإنسانية الأساسية لسكانها، الثقة في الحكومة منخفضة وتتراجع في جميع أنحاء المنطقة، في حين أن تصورات الفساد في مؤسسات الدولة عالية للغاية، وفقًا لموقع "الباروميتر العربي"، وهو موقع استطلاعي يحظى باحترام واسع. سيكون مسار التغييرعبر المنطقة طويل الأمد وغير تابع لمنحنى بياني ومضطرب، وقد تكتسب الاحتجاجات الصغيرة أو تلك التي تبدو صغيرة ظاهرياً زخماً بشكل مفاجئ، مدفوعة بتقاعس الحكومة أو تجاوزها، كما سيستمر النشطاء في امتلاك القوة لتحديد شروط النقاش وتشكيل الواقع السياسي باستخدام أدوات واستراتيجيات جديدة. في الوقت نفسه، كما أشار أحد النشطاء في ندوة حديثة لمركز "كارنيغي" للشرق الأوسط حول الربيع العربي، ستتميز فترة التغيير هذه بـ "سباق بين الثوار والرجعيين من أجل هزيمة كل طرف منهما للآخر". ولكي "يفوز" النشطاء ويبدأون حقبة من التغيير الحقيقي، وهو الهدف الأساسي للانتفاضات قبل عقد من الزمن، سيكون الابتكار والتكيف أمراً أساسياً لذلك، وسيكون إنشاء منصات وسائط اجتماعية وأدوات رقمية جديدة، وترجمة النشاط عبر الإنترنت إلى عمل ملموس، وتطوير استراتيجيات جريئة وطويلة الأجل تحفز فرص الإصلاح ومواجهة التحديات من القوى الراسخة، كلها أمور بالغة الأهمية، حيث أن أصداء الانتفاضات العربية بعد 10 سنوات هي تذكير قوي بأن التغيير المزعزع لم ينته بعد في العالم العربي وأن ما حدث ما كان إلّا مجرّد بداية. معهد الولايات المتحدة للسلام- نداء بوست