وقد بحثت الوكالة في مصادر استخباراتية متعددة من أجل التوصل لهذه الاستنتاجات، بما في ذلك مكالمة هاتفية أجراها شقيق ولي العهد السفير السعودي لدى الولايات المتحدة خالد بن سلمان مع خاشقجي، وفقًا لما ذكره الأشخاص المطلعون على الأمر ممن تحدثوا عن المسألة بشرط عدم الكشف عن هوياتهم. خالد كان أخبر خاشقجي، الذي كان كاتب أعمدة مساهم في صحيفة “واشنطن بوست”، أنه يجب عليه الذهاب إلى القنصلية السعودية في إسطنبول من أجل استلام الوثائق ومَنَحَه ضمانات بأمانه إن فعل ذلك.

ليس من الواضح ما إذا كان خالد يعلم أنّ خاشقجي سيُقتل، لكنه أجرى المكالمة التي اعترضتها الاستخبارات الأميركية بتوجيه من أخيه، بحسب الأشخاص المطلعين على المكالمة.
وقالت المتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن فاطمة باعشن إنّ السفير وخاشقجي لم يناقشا أبدًا “أي شيء يتعلق بالذهاب إلى تركيا”. وأضافت أنّ الادعاءات الواردة في تقييم “سي آي أيه” “غير صحيحة. لدينا نظريات مختلفة ولا نزال نسمع غيرها دون أن نرى أساسًا لهذه التكهنات”.

استنتاج “سي آي أيه” حول دور بن سلمان كان يستند أيضًا إلى تقييم الوكالة للأمير باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد الذي يشرف حتى على شؤون المملكة الصغرى. وقال مسؤول أميركي مطلع على استنتاجات الوكالة: “إنّ الموقف المتفق عليه هو أنه لم يكن هنالك أي سبيل لحدوث هذه العملية دون علمه أو مشاركته”.

ترى “سي آي أيه” أنّ بن سلمان “تكنوقراط جيد”، كما وصفه المسؤول الأميركي، ولكن أيضًا تراه كشخص متقلب ومتغطرس و”متهور لا يفهم أنّ هنالك بعض الأشياء التي لا يمكنك فعلها”.
يعتقد محللو “سي آي إيه” أنّ لديه قبضة قوية على السلطة وأنه ليس في خطر من فقدان منصبه كوريث للعرش على الرغم من فضيحة خاشقجي. وقال المسؤول: “الإجماع العام هو أنه من المرجح أن يظل على قيد الحياة”، مضيفًا أنّ دور بن سلمان كعاهل السعودية المستقبلي “أمر مسلَّم به”.

ورفض متحدث باسم “سي آي أيه” التعليق على المسألة.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، قدم السعوديون تفسيرات متعددة ومتناقضة لما حدث في القنصلية. ألقى المدعي العام السعودي هذا الأسبوع باللوم على عصابة مارقة من العملاء الذين أُرسِلوا إلى إسطنبول من أجل إعادة خاشقجي إلى السعودية في عملية انحرفت عن مسارها عندما “ٍقُيِّد الصحفي بالقوة وحُقِنَ بكمية كبيرة من المخدرات مما أسفر عن جرعة زائدة أدت إلى وفاته”، وفقًا لتقرير أدلى به المدعي العام.

أعلن المدعي العام عن اتهامات وُجِّهَت لـ11 من المشاركين المزعومين وقال إنّه سيسعى إلى تطبيق عقوبة الإعدام على خمسة منهم.

أثار اغتيال خاشقجي، وهو من أبرز منتقدي سياسات بن سلمان، أزمة في السياسة الخارجية للبيت الأبيض وأثار تساؤلات حول اعتماد الإدارة على السعودية كحليف رئيسي في الشرق الأوسط وكحصن ضد إيران.

قاوم الرئيس ترامب إلقاء اللوم على بن سلمان الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع صهر الرئيس وكبير مستشاريه جارِد كوشنَر. وقال مساعدون في البيت الأبيض خلال محادثات خاصة إنّه عُرِض على ترامب دليلًا على تورط الأمير، ولكنه لا يزال يشك في أنّ بن سلمان قد أمر بعملية القتل.

كما سأل الرئيس مسؤولي “سي آي أيه” ووزارة الخارجية الأميركية عن مكان جثة خاشقجي وقد شعر بالإحباط من عدم تمكنهم من تقديم إجابة. وكالة “سي آي أيه” لا تعرف مكان رفات خاشقجي، وفقًا لأشخاص مطلعين على تقييم الوكالة.

ومن ضمن المعلومات التي جمعتها وكالة “سي آي أيه” تسجيل صوتي من جهاز استماع زرعه الأتراك داخل القنصلية السعودية، بحسب الأشخاص المطلعين على المسألة. أعطى الأتراك الوكالة نسخة من هذا التسجيل الذي استمعت له مديرة الوكالة جينا هاسبل.

ويبيِّن التسجيل أنّ خاشقجي قد قُتِل بعد لحظات من دخوله إلى القنصلية، وفقًا لمسؤولين في بلدان متعددة استمعوا له أو أُطلِعوا على محتوياته. توفي خاشقجي في مكتب القنصل السعودي الذي يمكن سماعه معربًا عن استيائه من الحاجة إلى التخلص من جثة خاشقجي وتنظيف أي دليل متبقٍ، وفقًا لأشخاص على دراية بالتسجيل الصوتي.

وفحصت وكالة “سي آي أيه” أيضا مكالمة أجراها عضو مزعوم في فريق الاغتيال السعودي يدعى ماهر المطرب من داخل القنصلية بعد عملية القتل، وهو مسؤول أمني يمكن رؤيته في كثير من الأحيان إلى جانب ولي العهد وتم تصويره أثناء دخوله القنصلية ومغادرتها يوم العملية.

اتصل المطرب بسعود القحطاني، الذي كان آنذاك أحد كبار مساعدي بن سلمان، وأبلغه أن العملية قد تمت، وفقًا لأشخاص مطلعين على المكالمة.

صادقت وزارة المالية هذا الأسبوع على معاقبة 17 فرداً قالت إنّهم متورطون في وفاة خاشقجي، بما فيهم القحطاني والمطرب والقنصل السعودي في تركيا محمد العتيبي.

تقييم وكالة “سي آي أيه” لدور بن سلمان في عملية الاغتيال يتناسق أيضًا مع معلومات أدلت بها حكومات أجنبية، وفقًا لمسؤولين في عدة عواصم أوروبية استنتجوا أنّ العملية كانت متطاولة للغاية بحيث لم يكن لتحدث من دون توجيه من ولي العهد.

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنّ حكومته شاركت التسجيل الصوتي مع ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والسعودية.

بالإضافة إلى المكالمات والتسجيلات الصوتية، فقد ربط محللو “سي آي إيه” بعض أعضاء الفريق السعودي مباشرة بولي العهد نفسه. وقد خدم بعض الأعضاء الخمسة عشر في فريقه الأمني وسافروا إلى الولايات المتحدة خلال زيارات قام بها مسؤولون سعوديون كبار، بما فيهم ولي العهد، وفقًا لسجلات جوازات السفر التي راجعتها “واشنطن بوست”.

كما حصلت الولايات المتحدة على معلومات استخباراتية قبل وفاة خاشقجي تشير إلى أنّه قد يكون معرضًا للخطر. ولكن لم تبدأ وكالات الاستخبارات الأميركية في البحث عن سجلات الاتصالات المُعترَضة إلا بعد اختفائه يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول واكتشفت مواد تشير إلى أن العائلة المالكة السعودية كانت تسعى لجذب خاشقجي إلى الرياض.

وقال مسؤولان أميركيان إنّه لا توجد مؤشرات على أنّ المسؤولين كانوا على علم بهذه المعلومات قبل اختفاء خاشقجي أو على أنّه قد فاتتهم أي فرصة لتحذيره.

وقال أحد المسؤولين إنّ خاشقجي “لم يكن شخصًا محط اهتمام” قبل اختفائه، وحقيقة أنّه كان يقيم في فرجينيا جعلته يُعتبَر شخصًا أمريكيًا، وبالتالي كان محميًا من جمع المعلومات الاستخباراتية عنه.

وقد أخبر ترامب كبار المسؤولين في البيت الأبيض أنّه يريد بقاء بن سلمان في السلطة لأن السعودية تساعد في ضبط إيران التي تعتبرها الإدارة أهم تحدٍ أمني لها في الشرق الأوسط. وقال إنّه لا يريد للجدل المُثار حول وفاة خاشقجي أن يعيق الإنتاج النفطي السعودي.

أحد الأسئلة العالقة هو لماذا قد قرر بن سلمان قتل خاشقجي الذي لم يكن يحثّ على عزل ولي العهد.

أحد النظريات التي توصلت لها وكالة “سي آي أيه” هي أنّ بن سلمان يعتقد أنّ خاشقجي كان إسلاميًا خطيرًا تعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين، وفقًا لأشخاص على علم بالتقييم. بعد أيام من اختفاء خاشقجي، مرر بن سلمان هذا الرأي خلال مكالمة هاتفية مع كوشنَر ومستشار الأمن القومي جون بولتون الذي طالما عارض تنظيم الإخوان واعتبره تهديدًا للأمن الإقليمي.

إنّ إدانة بن سلمان في السر للصحافي المقتول ظهرت متناقضة مع التصريحات العلنية لحكومته التي نعت مقتل خاشقجي على أنه “خطأ فظيع” و “مأساة”.

ولم يتضح بعد للمسؤولين الأميركيين متى ستنفذ الحكومة السعودية عمليات إعدام الأفراد الذين أُلقِي باللوم عليهم في مقتل خاشقجي أو ما إذا كانت ستنفذها على الإطلاق. وقال المسؤول الأميركي: “يمكن أن تحدث بين عشية وضحاها أو قد يستغرق الأمر 20 عامًا”، مضيفًا أنّ معاملة المرؤوسين يمكن أن تُضعِف مكانة بن سلمان مستقبلًا.

بإعدام أولئك الذين اتبعوا أوامره، “فمن الصعب تحفيز المجموعة التالية من المرؤوسين على المساعدة”، كما قال المسؤول
-----------------
واشنطن بوست

ساهم في هذا التقرير جون هَدسون وميسي رايَن في واشنطن وسعاد مخنّت في فرانكفورت ولَفدَي موريس وكريم فهيم في إسطنبول.